أين دفن عمرو بن العاص؟
يُعد عمرو بن العاص واحداً من أبرز القادة العسكريين في تاريخ الإسلام، وقد كان له دور كبير في الفتوحات الإسلامية وأحداث التاريخ العربي. وُلد عمرو بن العاص في مكة المكرمة في السنة 576 ميلادي، وتوفي في سنة 664 ميلادي. عرف بذكائه العسكري وحنكته السياسية، وكان له دور محوري في معركة مؤتة، ومعركة اليرموك، كما شارك في فتح مصر. وفضلاً عن ذلك، كان له حضور فاعل في العديد من الأحداث التاريخية المهمة في فترة الخلافة الراشدة والأموية. ولكن، رغم شهرة عمرو بن العاص ودوره في تاريخ الأمة الإسلامية، تبقى مسألة مكان دفنه موضوعًا ذا اهتمام كبير بين المؤرخين والباحثين.
1. عمرو بن العاص: حياة حافلة بالإنجازات
عمرو بن العاص كان من الشخصيات الاستثنائية التي ارتبطت بمراحل هامة من تاريخ العالم العربي والإسلامي. بدأ حياته في مكة وكان من أسرة قريشية نبيلة، ورغم كونه في البداية من أعداء الإسلام، إلا أنه أسلم بعد فترة، لينضم إلى صفوف المسلمين ويصبح أحد أبرز القادة العسكريين في الجيش الإسلامي.
قاد عمرو بن العاص المسلمين في العديد من الغزوات والمعارك الهامة، مثل معركة مؤتة ومعركة اليرموك التي كانت من أبرز الأحداث العسكرية في تلك الفترة. وُصف عمرو بن العاص بأنه كان ذا شخصية قوية وفطنة كبيرة، إذ استطاع تحصيل رضا الخليفة عمر بن الخطاب، ثم الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ليصبح من الشخصيات القوية في فترة الخلافة الأموية.
2. فتح مصر ودور عمرو بن العاص في نشر الإسلام
أحد أبرز أحداث حياة عمرو بن العاص هو دوره الكبير في فتح مصر في سنة 641 ميلادي، حينما قاد جيش المسلمين لفتح مصر، متمكنًا من هزيمة الجيش البيزنطي في معركة باب النصر، ومن ثم بدأ بتأسيس مدينة الفسطاط التي كانت بمثابة عاصمة للمسلمين في مصر في ذلك الوقت. يُعتبر فتح مصر نقطة تحول في التاريخ الإسلامي، حيث أصبحت مصر واحدة من أهم البقاع التي ازدهر فيها الإسلام وعلومه.
3. مكان دفن عمرو بن العاص: التباين بين الروايات
تُعتبر مسألة مكان دفن عمرو بن العاص من المسائل المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي، حيث تباينت الروايات بشأن المكان الذي وُضع فيه جسده بعد وفاته. تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن عمرو بن العاص توفي في مدينة حمص السورية، حيث كان يقيم في آخر أيامه. ومع ذلك، تُشير روايات أخرى إلى أنه دفن في مدينة الفسطاط في مصر، حيث كانت قد أصبحت مركزًا هامًا في تلك الفترة.
دفن في مصر: رواية تاريخية سائدة
من أكثر الروايات قبولاً بين المؤرخين هي الرواية التي تفيد بأن عمرو بن العاص دفن في مدينة الفسطاط. هذه الرواية تعتمد على ما ورد في كتب التاريخ والسير التي نقلت أقوال المؤرخين المعاصرين له، مثل ابن الأثير في “الكامل في التاريخ”، وابن عبد الحكم في “تاريخ مصر”، والطبري في “تاريخ الرسل والملوك”.
وفقًا لهذه الروايات، عندما توفي عمرو بن العاص في سنة 664 ميلادي، دفن في مصر، وتحديدًا في منطقة الفسطاط، وهي المدينة التي أسسها في وقت سابق. تعد الفسطاط من أولى المدن الإسلامية في مصر، وقد كانت بمثابة مركز ديني وعسكري هام.
أين في الفسطاط؟
بالرغم من الإجماع على أن عمرو بن العاص دفن في الفسطاط، إلا أن هناك اختلافًا حول المكان الدقيق الذي دفن فيه. تشير بعض الروايات إلى أن قبره يقع في مكان يُعرف الآن بمقبرة “باب البحر” أو ما يُطلق عليه “مقابر الفسطاط”. هذا الموقع يقال إنه كان قريبًا من المكان الذي كان يُقيم فيه عمرو بن العاص أثناء حياته، أي في المنطقة الجنوبية الشرقية من الفسطاط.
ومع مرور الوقت، تراجعت أهمية الفسطاط كمركز سياسي وعسكري بعد أن تحولت العاصمة إلى القاهرة في العصر الفاطمي، ولكن المقابر والمواقع التاريخية في الفسطاط ظلت ماثلة في ذاكرة المصريين، لا سيما قبر عمرو بن العاص الذي يُعتبر رمزًا من رموز الفتح الإسلامي في مصر.
الرواية الأخرى: حمص
رغم أن الرواية الأكثر شيوعًا تفيد بدفن عمرو بن العاص في الفسطاط، إلا أن هناك رواية أخرى تشير إلى أنه دفن في مدينة حمص السورية. وفقًا لهذه الرواية، توفي عمرو بن العاص في حمص بعد أن قضى فيها آخر أيامه. هذه الرواية تعتمد بشكل أساسي على ما ذكره بعض المؤرخين مثل البلاذري في “أنساب الأشراف”، حيث يُذكر أن عمرو بن العاص دُفن في حمص بعدما توفي فيها.
السبب وراء تباين الروايات
يمكن إرجاع تباين الروايات إلى عدة أسباب، من بينها تنقل عمرو بن العاص بين عدة مدن كبرى في فترة حياته، بدءًا من مكة المكرمة وصولاً إلى المدينة المنورة، ثم إلى مصر، وبعدها إلى حمص. كما أن الفترة الزمنية التي تلت وفاته قد شهدت العديد من التحولات السياسية والاجتماعية التي جعلت من الصعب تحديد مكان قبره بشكل دقيق.
4. التقدير والاحترام الذي حظي به عمرو بن العاص
في كلتا الحالتين، سواء كان دفنه في الفسطاط أو حمص، فإن عمرو بن العاص ظل رمزًا من رموز الفتح الإسلامي والتاريخ العربي. كان الخليفة عمر بن الخطاب قد أرسل عمرو بن العاص لفتح مصر، حيث أعطاه التفويض الكامل لتوجيه الجيوش، وكان الرجل الذي قدّم الكثير للأمة الإسلامية، بما في ذلك دوره البارز في نشر الإسلام في شمال أفريقيا.
وبعد وفاته، كان عمرو بن العاص محل احترام وتقدير من قبل المسلمين، فقد عُرف بذكائه، وسياسته الحكيمة، وشجاعته في المعارك. ولم يكن من غير المألوف أن يتم الاهتمام بمكان دفنه. في مصر، كان قبره محط اهتمام، حيث كان يزوره المسلمون تقديرًا له، كما أنه كان يُعتبر مكانًا مقدسًا يعكس دور الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي.
5. التراث الشعبي حول قبر عمرو بن العاص
حتى اليوم، يعتبر قبر عمرو بن العاص في مصر واحدًا من الأماكن التي تحمل أهمية تاريخية ودينية كبيرة. يعتبره المصريون رمزًا من رموز الفتح الإسلامي، ويتوافد البعض لزيارة قبره والتبرك به. ورغم أن موقع قبره لم يُحسم بشكل قاطع، إلا أن ذكره يتردد في العديد من كتب التاريخ والتراث الشعبي الذي يتناول قصة الفتح الإسلامي لمصر ودور عمرو بن العاص في هذا الفتح.
6. خلاصة
تظل مسألة مكان دفن عمرو بن العاص محطًا للبحث والنقاش، حيث تباينت الروايات بشأن الموقع الدقيق. بالرغم من ذلك، تظل أهميته التاريخية والقيادية تضيء جوانب من تاريخ الفتوحات الإسلامية في مصر وغيرها من البلدان. وبغض النظر عن المكان الذي دُفن فيه، يبقى عمرو بن العاص شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، ورمزًا من رموز النجاح العسكري والسياسي في تلك الحقبة التاريخية.
